السؤال
ورد في الحديث الصحيح أن أكثر أهل النار من النساء، ثم ذكر سببين لذلك: كونهن ناقصات في العقل والدين. ثم سألت امرأة عن النقصان في العقل فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن نقصان عقلها شهادتها على النصف من شهادة الرجل، ونقصان دينها تركها للصلاة عند الحيض.
لكننا نرى من واقع الحياة كثيراً من النساء أعقل من الرجال، ومسألة الحيض هي شيء كما ورد في خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- "كتبه الله على بنات آدم". فكيف تحاسب النساء على شيء مكتوب عليهن؟
أنا حديثة التزام بديني ومثل هذه المسائل سببت لي قلقاً لعدة أشهر، ولم يستطع أهل الدين عندنا أن يجيبوني. أرجو التكرم بتقديم إجابة شافية. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أولاً: ما ذكرته الأخت السائلة من أنه ورد في الحديث الصحيح أن عامة أهل النار من النساء صحيح، بل هو حديث متفق على صحته، غير أن الحديث جاء بلفظ "أُرِيتكن أكثر أهل النار".
ثانياً: ما ذكرته من أن الرسول صلى الله عليه وسلم- ذكر سببين لذلك كونهن ناقصات عقل ودين غير صحيح، بل إنه صلى الله عليه وسلم ذكر سببين هما: "كثرة اللعن، وكفران العشير، - أي الزوج- وبناءاً على هذا فالسببان اللذان جعلتهن أكثر أهل النار هما: اللعن،وكفران الزوج. وجاء ذكر نقص العقل والدين زيادة على الجواب يُسميها العلماء بالاستتباع، لا أنهما السبب في كونهن أكثر أهل النار.
وتتميماً للفائدة أنقل نص الحديث فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو في فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء: تصدقن؛ فإني أُرِيتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها" صحيح البخاري(304)، وقد رواه مسلم أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ قريب من لفظ البخاري حديث(79) فالحديث متفق عليه.
هذا، وقول السائلة -في وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين- لكننا نرى من واقع الحياة أن كثيراً من النساء أعقل من الرجال، ومسألة الحيض... إلى آخر سؤالها جوابه ما قاله المازري وغيره، فقد قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (ج2ص67)، وما بعدها ما نصه: (قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه وهو ما نبه الله تعالى عليه في كتابه بقول تعالى: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" [البقرة:282]، أي أنهن قليلات الضبط، قال وقد اختلف الناس في العقل ما هو؟ فقيل هو العلم، وقيل بعض العلوم الضرورية، وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات، هذا كلامه، قلت: والاختلاف في حقيقة العقل وأقسامه كثير معروف، لا حاجة هنا إلى الإطالة فيه، واختلفوا في محله، فقال أصحابنا المتكلمون هو في القلب، وقال بعض العلماء وهو في الرأس والله أعلم.
وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض، فقد يستشكل معناه وليس بمشكل، بل هو ظاهر، فإن الدين والإسلام مشتركة في معنى واحد، كما قدمنا في مواضع، وقد قدمنا أيضاً في مواضع أن الطاعات تسمى إيماناً وديناً، وإذا ثبت هذا علمنا أن من كثرة عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه، ثم نقص الدين قد يكون على وجه يأثم به؛ كمن ترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة عليه بلا عذر، وقد يكون على وجه لا إثم فيه؛ كمن ترك الجمعة أو الغزو أو غير ذلك مما لا يجب عليه لعذر،وقد يكون على وجه هو مكلف به؛ كترك الحائض الصلاة والصوم.
فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض؟ وإن كانت لا تقضيها كما يثاب المريض والمسافر، ويكتب له في مرضه وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته وحضره.
فالجواب: أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت غير ناوٍ الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه) انتهى كلام النووي.
هذا وقول السائلة: ومسألة الحيض هي شيء كما ورد في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها كتبه الله على بنات آدم فكيف تحاسب النساء على شيء مكتوب عليهن؟ انظر ما رواه البخاري (294)، ومسلم (1211).
جوابه: أن نقول: ومن الذي قال بأنها تحاسب على ذلك؟ ليس في الحديث ما يدل على ذلك، وما جاء في الحديث من أن النساء أكثر أهل النار تقدم ذكر سببه وهو اللعن، وكفران العشير لا الحيض، وما جاء في الحديث من وصف المرأة بنقص الدين بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها تجلس الأيام لا تصلي، وهذا نقص دين فمن كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه. فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عمن يصليها على الدوام، ومن طال عمره وحسن عمله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم للنساء بنقص العقل فليس معناه نقص أصل العقل، وإنما المراد به قلة ضبط المرأة وضعف ذاكرتها غالباً، ولهذا جعل الله شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل، وبين سبحانه العلة في ذلك بقوله: "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" [البقرة:282]، وهذا تشريع من الحكيم العليم الخالق الذي أوجد الخليقة من العدم قال تعالى: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك: 14]، وقال تعالى: "هو أعلم بكم إذا أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [النجم: 32]، والله سبحانه وتعالى لم يجعل المرأة مساوية للرجل في كل شيء، قال –تعالى-: "وليس الذكر كالأنثى" [مريم: 36]، وقال –تعالى-: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" [النساء: 34]، وقال تعالى: "وللرجال عليهن درجة" [البقرة: 228]، قال ابن كثير في تفسيره (ج1 ص271)، أي في الفضيلة والخَلق، والخُلق والمنزلة، وطاعة الأمر ، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة" انتهى، هذا، وقد جعل الله – سبحانه وتعالى- المرأة على النصف من الرجل في عدة أحكام: أحدها الشهادة كما تقدم، والثاني في الميراث، والثالث في الدية، والرابع في العقيقة، والخامس في العتق. والله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار، قال –تعالى-: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة" [القصص: 68]، ولقد فضل الله بعض الرسل على بعض؛ قال –تعالى-: "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" [البقرة: 253]، وفضل بعض الأماكن على بعض، وبعض الزمان على بعض...إلخ.
هذا وعلى المرء المسلم التسليم لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير تردد ولا شك، قال –تعالى-: "وما كان لمؤمنة ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36]، وقال –تعالى- في شأن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء: 65]، هذا، وأكتفي بهذا القدر من الإجابة. سائلاً الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على دين الإسلام، وأن يتوفانا عليه، وأن يرزقنا التسليم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعيذنا من همزات الشياطين إنه على كل شيء قدير، وأن يرزق الأخت السائلة الثبات على الدين وطمأنينة القلب وحسن الختام وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.