يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
يقول تعالى ذكره : يسبح لله كل ما في السموات السبع ، وكل ما في الأرضين من خلقه ، ويعظمه طوعاً وكرهاً ، الملك القدوس الذي له ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما ، النافذ أمره في السموات والأرض ، وما فيهما ، القدوس : وهو الطاهر من كل ما يضيف إليه المشركون به ، ويصفونه به مما ليس من صفاته المبارك العزيز يعني الشديد في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره خلقه ، وتصريفه إياهم فيما هو أعلم به من مصالحهم .
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
يقول تعالى ذكره : الله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ، فقوله هو كناية من اسم الله ، والأميون : هم العرب ، وقد بينا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأمي أمي .
وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم قال : العرب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت سفيان الثوري يحدث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته : العرب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم قال : كان هذا الحي من العرب أمة أمية ، ليس فيها كتاب يقرءونه ، فبعث الله نبيه محمداً رحمة وهدى يهديهم به .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم قال : كانت هذه الأمة أمية لا يقرءون كتاباً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم قال : إنما سميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأميين ، لأنه لم ينزل عليهم كتاباً ، وقال جل ثناؤه رسولا منهم يعني من الأميين ، وإنما قال منهم ، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أمياً ، وظهر من العرب .
وقوله : يتلو عليهم آياته يقول جل ثناؤه : يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه ويزكيهم يقول : ويطهرهم من دنس الكفر .
وقوله ويعلمهم الكتاب يقول : ويعلمهم كتاب الله ، وما فيه من أمر الله ونهيه ، وشرائع دينه والحكمة يعني بالحكمة : السنن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ويعلمهم الكتاب والحكمة أي السنة .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة أيضاً كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة ، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأولين ، وقرأ قول الله عز وجل والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان [ التوبة : 100 ] ، ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة ، قال : وقد جعل الله فيهم سابقين ، وقرأ قول الله عز وجل ( والسابقون الأولون أولئك المقربون ) [ الواقعة : 10 ] ، وقال : ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) [ الواقعة : 13 ] ، فثلة من الأولين سابقون ، وقليل سابقون ، وقليل السابقون من الآخرين ، وقرأ ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) [ الواقعة : 27 ] ، حتى بلغ ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) [ الواقعة : 39 ] ، أيضاً قال : والسابقون من الأولين أكثر وهم الآخرين قليل ، وقرأ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] ، قال : هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة .
وقوله وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين يقول تعالى ذكره : وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم في جور عن قصد السبيل ، وأخذ على غير هدى مبين ، يقول : يبين لمن تأمله أنه ضلال وجور عن الحق وطريق الرشد .